Site icon سودا ميديا – SudaMedia

إنقلاب البرهان وسؤال الآفاق

محمد عتيق

جاءت الشراكة بين المدنيين والعسكريين – وكما قيل كثيراً – تعبيراً عن توازنٍ في الضعف بين الطرفين : توازناً بين البشاعة في ٣ يونيو ٢٠١٩ عند فض الاعتصام وبين الزلزال الشعبي/الشبابي الجسور في الثلاثين من ذات الشهر والعام ، توازناً بين الذي فعلته الحركة الاسلاموية “الانقاذ” في طرفي الحياة (المدنية والعسكرية) ، السياسات التي أقعدت بالسودان ، تقاليد الحياة فيه اقتصاداً ومناهج تعليم ، جزعاً على مصادر الحياة المادية والافلاس المعنوي ، وحيرةً ضربت حِدّتُها واقع البلاد وأغلقت آفاق المستقبل أمام الجميع..

امّا إنقلاب البرهان/حميدتي العسكري (٢٥ أكتوبر ٢٠٢١) في وجه الجميع ، وإن وَجَدَ له أساساً في خوفهما من المصير المشترَك ، المُنتَظَر ، إلا أنَّ له أبواباً للتسهيل/والدفع/ والاستغلال من :

أولاً: “هيافة” الحركة السياسية وتهافت أغلب أحزابها على مراكز النفوذ والمناصب ، ضعف حِسّها الوطني وانصراف همومها إلى المُتَع والمكاسب المادية بدلاً عن حراسة بنود الوثيقة الدستورية والإعلان السياسي من الاعتداء والتجاوز ، وبِنْيَة الشراكة من الاعتداء والهدم ، (ولا أطلب المستحيل إذا قلت) : ثم الاعتناء بكتابة مشروع وطني والعمل على تطويره !! :

– الذين وجدوا انفسهم في سدة الحكم والسلطة أغلقوا أبواب التحالف (تحالف الحرية والتغيير) دون زملائهم الآخرين (تحت إسم “المجلس المركزي”) ، دون الذين صاغوا معهم الوثائق وقادوا مقاومة “الانقاذ” ثم ثورة الشعب العارمة ضدها في ديسمبر ٢٠١٨ .. انحصرت همومهم ومواهبهم في محاربة وعزل هؤلاء الزملاء و”سحقهم” إذا تمكنوا من ذلك ، أي في التآمر !!!

– وهؤلاء (الآخرين) الذين اُغْلِقَتْ أبواب قحت في وجوههم – ولسوء حظهم – وجدوا أنفسهم مع أطرافٍ (مقموعةٍ ، لا حولَ ولا قوّة لها) من قيادات الحركات المسلحة (المعروفة بأطراف سلام جوبا، وبذلك متواجدين  في مجلسي الوزراء والسيادة) إلّا أنّ طبيعة ارتباطات بعض تلك (الأطراف) ، إضافةً إلى وجود أسماء بينهم لا وزن لها إلا في مجال الطموح الشخصي الشاذ (الذي يهدم في طريقه كل القيم والمعايير السياسية والمبدئية) قد أضعفها وهزَّ صورةَ اي تحالفٍ معها في الأذهان .. الهدف المشترك هو العمل على عودة الجميع إلى “منصّة التأسيس” ضبطاً للتنظيم ، تحسيناً وتطويراً للأداء ولجماعِيّته في مواجهة المسؤوليات الوطنية ، غير أنّ أهدافاً أخرى ظهرت تتعلق عند البعض بطموحات ذاتية وعند آخرين “اتهاماً بتنفيذ أجندة تنظيمية وسياسية مع رفاق أمسٍ غابر .. فاختلط الهدف المشترك مع الأهداف الخاصة الأخرى وتوحّدت الوصمة (المصنوعة) على الجميع ، وصمة “الفلول” و “جماعة قاعة الصداقة” ؛ الأبرياء مع المتهمين !! .. وقاسيةٌ هي الوصمة “العجولة” “الأولى” في عصر الانفجار الهائل في وسائل الإتصال والتواصل الاجتماعي ؛ إنطباعٌ شعبيّ مجرد عند البعض ومقصودٌ عند آخرين…

المهم هنا هو أنّ الجميع كانوا مشغولين بمثل هذه “المعارك” عندما داهمهم الانقلاب ..

ثانياً : لا نظلم الرجل إذا وصَفْنَا أنه اسمٌ تم تسريبه بذكاء فائق للذهن الشعبي عشيّةَ الثورة ، الذهن الشعبي التائق بقوةٍ للديمقراطية ولرمزٍ للبطولةِ والخلاص  يلتفُّ حوله ويتعلَّق به .. أتى الدكتور عبدالله حمدوك من أروقة المنظمات الإقليمية والدولية حاملاً معه التزامها المعاصر : (الليبرالية الجديدة) ، نيو ليبراليزم ، أساسها الديمقراطية ولكنها الديمقراطية القائمة على الشروط الاقتصادية والسياسية لآيديولوجية “النيو ليبرالية” : الخضوع لشروط المنظمات الدولية اقتصادياً ، وتحديداً صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة الدولية ، ثم سياسياً : التطبيع مع الكيان الإسرائيلي على طريق الاعتراف به دولةً طبيعية .. وهي الشروط التي جعل من الموافقة عليها بالتوقيع مدخلاً وحيداً للاشتراك في الحكومة فكانت الهرولة حتى من بعض حاملي لواء القومية العربية والاشتراكيين والحركات المسلحة التي فات عليها معرفة معنى التحرر الوطني والنضال الفلسطيني العريق وكأنها (فاقد للشيء)!!

بهذه القدرات المحدودة والخبرة العملية المحصورة في عمل المنظمات الإقليمية والدولية جاء الدكتور حمدوك لقيادة سلطة الانتقال ، سلطة ثورة ديسمبر العملاقة ؛ لم يتقدم خطيباً ذو رسالة ، لم يتحدث عن رؤيةٍ حول مفهوم الانتقال ومتطلباته العملية ، متردِّداً ، عاجزاً عن استعمال الشرعيّة الثورية التي منحها له الشعب الثائر وائتمنه عليها ، فقط سمعه الناس ينكر استلام أي برنامجٍ من (قحت) مع إنكارٍ صريحٍ لمعرفته بتطبيع العلاقة مع “إسرائيل” عند زيارة البرهان لنتنياهو في عنتبي ، مسهباً في مدح العلاقة مع المكون العسكري وكيف أنها نموذجية ومثالية و..و…

إجتمعت هذه العوامل والظروف وأنتجت إنقلاب البرهان في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ .. ومهما كانت مبرراته وصِحَّةْ اجراءاته (فَرَضَاً) فلن يجمع عليه الناس .. ظروفنا الوطنية وما يحيط بها من ضعفٍ واهتراء في جانب ، وشوق عارم للاستقرار والاندماج الوطني والنهضة من جانبٍ آخر ، تفرض علينا صيغَةً من التوافق بين المدنيين والعسكريين لحكم البلاد في فترةٍ انتقاليةٍ جادةٍ ، خصبةٍ ، ومليئةٍ بالانجاز ..

* هنالك انقلاب عسكري وهو أمرٌ مرفوض .
* ولكن هنالك أسباب مقبولة..
* فهل من آفاقٍ لحلول تلائم الثورة الباسلة ، تزيدها اتِّقاداً وتملأُها إنجازا ؟؟

Exit mobile version