أخبار

صديق الصادق المهدي يكتب.. بعيداً عن السياسة وقريبا منها

السياسة معنية بإدارة الدولة وتنظيم علاقتها بالمجتمع، وممارسة سلطة الشعب بما يحقق له الحد الأدنى من المعيشة والأمن والرضى المجتمعي.
تضطرب أوضاع المجتمع عندما يساء استخدام السلطة، وتوظف آلياتها ضد الشعب، ولصالح فئات محدودة منه. هنا تثور مكونات المجتمع الحية؛ وتضغط لقفل باب الاستغلال وتحقيق العدالة الاجتماعية.
القضايا السياسية المتعلقة بالسلطة وتوزيع الموارد محل تباين وخلاف وصراع؛ ولكن بعيدا عنها هناك قضايا فيها تعدي سافر من السلطة الانقلابية على المجتمع السوداني وقيمه الموروثة، يجب أن يرفضها ويواجهها ويقاومها كل صاحب/ صاحبة ضمير حي في المجتمع، أخص بالذكر منها:
١/ فاجعة استرخاص الدم السوداني، وقتل الشباب والمدنيين في دارفور والخرطوم وغيرهما. القتل مرفوض لأي مواطن سوداني في أي بقعة من أرض السودان الطاهرة. من جهة ثانية؛ هناك من يحاول المتاجرة بأن الانفعال مع القتل في الخرطوم ليس كغيرها، وهذا حديث عار عن الصحة، القتل واحد ومن يقتل في الخرطوم وعين الرقيب فيها “مفنجلة”، هو بلا شك أكثر اسرافا في القتل خارجها.
والقتل مستنكر للنفس الواحدة، اينما كان، والشهداء لا يجب أن يتحولوا لأرقام، بل من قتل النفس الواحدة (فكأنما قتل الناس جميعا).
وفيما يجري من استرخاص الدم؛ إعادة لمشاهد حكم المعزول، السفاك “البشير” الذي قال إن: قتلى دارفور عشرة آلاف “بس!!”.
٢/ فاجعة الاغتصاب، المرأة كرمها ربها، والمجتمع السوداني حفظ لها حقوقا جعلتها مقدمة على نساء المنطقة. إن حالات الاغتصاب والتحرش الجنسي الذي تتعرض له المرأة والشابة السودانية في دارفور والخرطوم وغيرهما هو عدوان على الأخلاق، وعلى الكرامة الإنسانيةوعلى إرث المجتمع السوداني الذي يحترم ويكرم المرأة، لا يمكن قبوله.
إن إطلاق يد بعض منسوبي القوات النظامية في التعدي على المرأة هو ضرب للمجتمع في أسمى مقدساته. ومرة أخرى؛ هي سلوكيات لم تخرج عن ممارسات النظام البائد؛ الذي قال رئيسه المعزول، (العنصري المغرور): اغتصاب الجعلي شرف!
٣/ فاجعة امتهان كرامة المعلمين: المجتمع السوداني يحترم المعلم ويقدس مهنته التي تشمل التعليم والتربية والتوعية المجتمعية. إن التعدي على المعلمين وامتهان كرامتهم هو تعدي على المجتمع بأكمله وامتهان كرامته.
تحدث هذه الأحداث المؤسفة للمعلمين، ولم تغادر ذاكرتنا بعد التعذيب الذي تعرض له الاستاذ الشهيد أحمد الخير حتى الموت، الذي كان تعذيبا لكل المجتمع! ومؤخرا قامت قوات نظامية بضرب استاذ بإحدى المدارس في مدينة نيالا وتم وضع البوت في رأسه! كل هذا الإذلال والامتهان مرفوض تماما، وهو فعل يدمغ النظام الذي تحدث فيه هذه الممارسات بالخزي والعار!
4/ التردي المعيشي والانفلات الأمني: التسلط الإنقلابي عطل العون الدولي (إعفاء الديون، المنح، القروض التنموية الميسرة) وعطل الإصلاح الاقتصادي والانتاج المحلي، فأدخل اقتصاد البلاد في عجز فلكي ومعظم شعب السودان في كارثة معيشية طاحنة واقتصاد البلاد منحدر بسرعة نحو الانهيار التام. الانهيار الاقتصادي يصحبه انهيار أمني ، يعيش شعب السودان الآن وضعا خطيرا فأمن المواطن مهدد في الشارع وفي البيوت ويتعرض للنهب والسلب والسرقة من مدنيين وبعض منسوبي الأجهزة النظامية (والأجهزة لا تفعل شيئا إزاء هذا الوضع المريع). ولولا التكافل والمسؤولية المجتمعية السودانية (من منظومة الأخلاق السودانية السمحة) لتفكك المجتمع السوداني (صامولة، صامولة)!
رب العالمين امتن على كفار قريش (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) لماذا نقبل بتسلط ادخلنا في كارثة معيشية وزعزع أمننا؟؟ الأخلاق السودانية ضاربة جذورها عميقا في التربة السودانية فمنذ (كود الأخلاق) لخاليوت بن بعانخي في المعبد 600 قبل الميلاد، مرورا بالأعراف والمؤثرات الثقافية على أهل السودان وعلى رأسها الدين الإسلامي، تبنى المجتمع السوداني منظومة أخلاق قوية ورثها التيار الغالب في جيل الثورة رغم نشأته في ظل نظام كان خصما على الإرث الأخلاقي السوداني وكما وصفه الإمام الصادق عليه الرحمة والرضوان (كموسى الذي نشأ في بلاط فرعون).
على المجتمع السوداني الحر الحي الضمير أن يتماسك وأن يتكاتف ويتعاضد في الحفاظ على دولته ومجتمعه من الذين يرعون مصالحهم على حساب المصلحة الوطنية والمجتمعية العليا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى